الرئيسية » مقالات مكتوبة عن المكتبة »
 

"المكتبة الخالدية"..تراث عريق يحكي قصة المدينة المقدسة

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام+-
شعاع ثقافي وتراث عريق لا يبعد سوى خطوات عن الحرم القدسي الشريف، يجسد عظمة المدينة العتيقة، وبداخلها نفائس نبغ من خلالها علماء ومفكرون ساهموا في بناء الحضارة الإسلامية، وكانوا رأس حربة للدفاع عن قدسية المدينة وإسلاميتها.. إنها "المكتبة الخالدية" التي تقع في قلب المدينة القديمة بالقدس المحتلة.

وتعدّ المكتبة مبنى أثريًّا يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي قرب طريق باب السلسلة يطل على حائط البراق وحي المغاربة، يضم في خزائنه أكبر مجموعة من نفائس المخطوطات في العالمين العربي والإسلامي، ليشكل واحة إشعاع ثقافي يحفظ في ثناياه التاريخ والحضارة العربية والإسلامية ويحكي التاريخ بكل لغات العالم.

ألفا مخطوطة فريدة

 يقول المدير الفني للمكتبة  الخالدية د. خضر سلامة لـ "المركز الفلسطيني للإعلام": "مكتبة الخالدية تحتوي على ثلاثة عناصر مهمة داخلها؛ حيث تحتوي على أكثر من 2000 مخطوط غير متواجدة في العالم ككل، والمخطوطات فيها تمتد من القرن العاشر الميلادي وحتى نهاية الفترة العثمانية، بلغاتٍ متنوعة منها اللغة العربية، واللغة التركية، واللغة العثمانية، واللغة الفارسية، تتوزع على ما مجموعه 1970 موضوعا، يتميز بعضها بأنها خط المؤلف أو تحمل ملاحظاته وحواشيه الشخصية".

أما العنصر الثاني والذي تحويه مكتبة الخالدية، يضيف د. سلامة: "الكتب المطبوعة في الخالدية تصل إلى 6000 نوع، وهي كمثيلاتها من المخطوطات جمعت من عصور مختلفة، والعديد منها في طبعتها الأولى، وهذه الكتب والمخطوطات جميعها تم جمعها من قبل أفراد عائلة الخالدية على مر العصور الماضية".

ويتابع يقول: "أما العنصر الأخير؛ فهو وثائق العائلة الخالدية وأوراق رجالات العائلة الخالدية والذين كانوا يشغلون مناصب مهمة في الدولة العثمانية، وسجلات وممتلكات العائلة الخالدية؛ مثل أوراق روحي الخالدي وكل ما يتعلق بهم موجود في المكتبة وجزء مع العائلة الخالدية".

ويضيف أيضا: "المكتبات قديما كانت مكتبات فردية، ثم مع الزمن تحولت إلى مكتبات عائلية ومن يؤسسها هم أفراد، ومن بين هؤلاء الأفراد نشأت هذه الفكرة عند عائلة الخالدية في نهاية القرن التاسع عشر تقريبا في 1890م".

حفظ التاريخ

وحول البدايات؛ يقول سلامة "بدأت الفكرة تتبلور فعليا في 1900 حيث تم فتح المكتبة، كمكتبة عامة وهي أول مكتبة افتتحت في مدينة القدس بشكل عام كمكتبة خاصة، وتحوي أكبر مجموعة مخطوطات خاصة في العالم، وما يميزها هو مبناها الأثري القديم والذي حفظت فيه كتب الخالدية، وهو أيضا قبر الأمير الخوارزمي حسام الدين بركة خان وولديه بدر الدين وحسام الدين كره، واستخدم مبناها الأثري والذي يحتوي كتب الخالدية كمؤسسة ثقافية تحفظ في ثناياها التاريخ والحضارة العربية والإسلامية".

ويرى سلامة أن "التهديد الأساسي في المكتبة هو أن المكان الثقافي يحمي المكان أكثر من الناس الذين يسكنون فيه، والمؤسسة الثقافية هي حماية عالمية له من الضياع والاستيلاء عليه، فحكومة الاحتلال لا تستطيع الاستيلاء على مؤسسة ثقافية تحتوي كتبًا ومخطوطات ومطبوعات، فالمؤسسة الثقافية هي حماية عالمية لمكانها ومبناها، فهي تحمي نفسها بذاتها حسب القانون الدولي والمحلي المتبع في هذه الدولة، وهو عنصر حماية أمام الاحتلال". 

يقول رجا الخالدي، أحد أعضاء لجنة متولي أوقاف الخالدي، لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "مكتبة الخالدية هي جزء من وقف ذري لعائلة الخالدي المقدسية، وبحكم المكتبة فهي ليست خاصة، هي مكتبة عائلية ولكنها عامة، ولكن الوقف الذري كنظام ملكية وإدارة فهو عام، وجود المكتبة ضمن إطار النشاطات العائلية والمسؤوليات التي يتحملها كمتولين على الوقف، حيث يميز وقف الخالدي عن غيره من الأوقاف".

ويضيف "هي مكتبة قيمة جدا تحتوي مخطوطات، وهي جزء من وقف فيه عقارات ودكاكين ومنازل مستأجرة، المكتبة لها جزء كبير في المجتمع مربوط فيه قانونيا، وطبيعة المكتبة عند نشأتها كمكتبة عامة أمام الجمهور، أيضا ما يميزها عن مكتبات خاصة تكون في منازل مؤسسيها، هذه المكتبة متاحة للجميع ولكل شخص للاطلاع عليها".

مركز معرفة

ويقول الخالدي: "ربما هي غائبة بعض الشيء عن المشهد المقدسي، فقد أغلقت لفترات طويلة بسبب الاحتلال لمدينة القدس، وهي ما زالت مغلقة للآن أمام الجميع بسبب الظروف الإدارية، ونقص في الموارد المتاحة لهذا المكان، فهي غير متوفرة بشكل دائم، وظروف العائلة المتفرقة في بقاع العالم، ونقص الموارد المالية فالوقف مدخوله محدود، ومن غير الممكن صرف مأجور الوقف على المكتبة، حيث من المفروض تواجد وقفيات منفصلة للمكتبة عن الوقفيات الأخرى، وتعمل عائلة الخالدي على  تمويل المكتبة وتعبئة مواردها لعمل الترميمات اللازمة على مر الأوقات".

ويتابع الخالدي: "تجري الآن في مكتبة الخالدية عمليات الترميم وإعادة الهيكلة لمبنى مكتبة الخالدي ليتم افتتاحها كمعرض دائم يحتوي على المخطوطات وممتلكات عائلة الخالدي من وثائق يتم عرضها بخزائن المعرض، حيث تجري عملية التطهير عن طريق تبخير المبنى بشكل دوري، والمحافظة على درجة حرارة ثابتة بعد التبخير والتطهير، ومن ثم ترميم المخطوطات عن طريق استخدام الورق الياباني شفاف الصنع المستخرج من عناصر طبيعية وهو مكلف جداً على مستوى القدس وفلسطين، ولا يوجد كادر بشري يعنى بهذا العلم في فلسطين والقدس".

ويضيف "كما وتجري في ملحق المكتبة، وهو أيضا في حي باب السلسلة، عملية ترقيم المخطوطات الموجودة في مكتبة الخالدية وتصويرها رقمياً حتى يتم رفعها على الموقع الالكتروني الخاص بالمكتبة ويتاح للجميع الاطلاع على المخطوطات ورؤية جمالياتها من الألوان والرسومات والخطوط وللإفادة والعلم".

ويردف الخالدي: "مدينة القدس يوجد عندها إشكالية في طريقة تخزينها وحفظها للمخطوطات؛ حيث كان يتم خزنها في أماكن تعاني من الرطوبة وانخفاض درجات حرارة غرف التخزين، وهذه الأماكن تعمل على توارد الحشرات الآكلة للمخطوطات والكتب، ما أدى إلى تضرر عدد كبير من مخطوطات مكتبة الخالدية، ويتم الآن الاستعداد لافتتاح قسم صغير لترميم المخطوطات ليعيد الحياة فيها ويمنعها من التآكل والضياع".

ويتابع الخالدي: "في الثمانينيات من القرن الماضي حاول المستوطنون الاستيلاء على مبنى مكتبة الخالدية ولكن العائلة قامت برفع دعوى قضائية أثبتت فيه ملكيتها لها، ولكن الجمعيات الاستيطانية استولت على المباني المجاورة والتابعة للمكتبة وبنت فوقه مدرسة لتعليم التلمود اليهودي تطل على ساحة المكتبة، وبنت سطحا زجاجيا يفصل بين مبنى المكتبة والمدرسة اليهودية".

ويؤكد رجا الخالدي: "المكتبة مركز المعرفة لأي مجتمع، وهي مركز لإنارة العقول، هذه المكتبات وما تحتويه من كتب ومخطوطات قديمة منذ ألف سنة تدل دلالة كبيرة على ،ن الناس تواجدت وعاشت وتناسلت في القدس وفلسطين، وهذه المخطوطات وقيمتها تاريخية هي إحدى المرتكزات الأساسية لإثبات تواجدنا نحن الفلسطينيين في هذه الأرض".

  اقرأ المزيد  : المركز الفلسطيني للاعلام

 جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام