غير خافي على كل من له طبع سليم ان العلم نور الهي يودعه الباري سبحانه وتعالى في قلوب من يشاء من عباده فيلقنونه
الى من له نصيب من العلم وهي الطريقة التي مشى عليها بعض الفلاسفة المتقدمين غير ان اكثرهم رأى من اللازم
تسطير القواعد الأساسية في كل علم وتأليفها وجعلها مدونة في القراطيس يستفيد منها من سياتي ولا يجد
مرشدا سوى ما يلقى من الاثار الكتبية وتاريخ تأسيس المكتبات من عهد اليونان  محقق معلوم وغني عن البيان
ان العرب لما دخلت عليهم الحضارة والمدنية أسسوا المكتبات والمدارس وتبعهم الافرنج واقتفوا اثرهم
ولم تزل تترقى حتى بلغت الدرجة القصوى من الاتقان والانتظام ولم يعولوا على تقليدهم في العلوم الرياضية
وما زالوا ولن يزالوا تاركين التقاليد والأفكار المبنية على الظن والتخمين نابزينها ظهيريا واكثر اعتمادهم على
اليقينيات والمجربات حتى طرحوا اكثر قواعد علم المنطق وناقشوا من تقدمهم ودققوا كتبهم واطلقوا عنان
اقلامهم فنتج عن ذلك ما هم عليه من الثروة واليسار والطمع بما لدى غيرهم من الأراضي المخفية والمناجم المعدنية
فاهتضموا حقوق غيرهم واستباحوا ما دونهم ممن ترك الجد والسعي فلا غرو فانها نتائج اتعاب فلاسفتهم
ومن طرح حب الذات سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ومن البديهي ان دولتنا العلية ورجالها
العظام ايدها الله تعالى قد أسست المدارس والمكتبات وما فيه نشر الحضارة وناهيك بالمكتبات الموجودة
الان في دار السعادة التي تعد بالمأت برهان قاطع لا ينكر ذلك ومن تولى اريكة الخلافة الإسلامية العظمى
ظل الله في العالم خليفة رب العالمين مولانا امير المؤمنين ناصر الحق المبين رافع لواء العلم فأسس المكتبات
وأعاد المندرس من تلك الاثار فعم النفع بها ايده الله ونصره واعلا كلمته ولما كان في القدس الشريف
عدة مكتبات لكل عائلة من عائلاتها وبسبب ما طرأ عليها من الحوادث وعدم الاعتناء بها اندرس
اكثرها واضمحل باقيها ومن جملة المكتبات التي كانت بها مكتبة الشيخ صنع الله الخالدي وما ضم اليها من كتب
أولاده العلماء وكانت حاوية كثيرا من الكتب الدينية والتاريخية والرياضية الا ان ايدي الحوادث شتت
شمل اكثرها الى ان نشأ صاحب المعزة روحي افف الخالدي في هذه العائلة المباركة فجمع شمل ما تدشت
منها وهمً بتأسيس مكتبة عمومية بالقدس الشريف واودع هذه الروح الشريفة في افراد عائلته ولكن
في ذاك الوقت لم تساعده الاقدار لانشغاله في دار السعادة لتحصيل العلوم " ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه" ولكن ابقى ذلك الروح ينمو في عروق بني مخزوم حتى اراد الله تعالى ويسر
وذلك ان جميع المحل الخرب المتهدم بعضه الملاصق الى تربة الامير حسام الدين بركة خان واولاده من امراء
المصريين هي تحت تصرف والدي الشيخ نعمان افف الخالدي الازهري وبعد وفاته بقيت على ما كانت عليه
ومنذ سنتين كانت توفت والدتي المرحومة السيدة خديجة بنت السيد موسى افف الخالدي القاضي عسكر سابقا
 

الصفحة الثانية من المنشور

واوصت قبل وفاتها من مالها بمبلغ لعمارة تلك الخرابة وضمها الى التربة وجعلها مكتبة فغب الاستشارة من صاحب
السماحة العالم العامل بقية السلف الصالح كبير العائلة الخالدية الحاج محمد يس افف اطال الله بقاه وطلب معونته
ماديا وادبيا على ما بثه لنا ولده المقدام روحي افف المشار اليه من تأسيس مكتبة عمومية فشدد ازرنا وامدنا من احساناته
واشاراته اشارة بحكم فأسرعت لبنائها وعملت ما يلزم لها من الخزائن واودعنا ما لدينا من الكتب التي بعضها
من كتب من تقدم ذكره وبعضها هبة من جناب صاحبي الفضيلة والمعزة سر كاتب المحكمة الشرعية السيد موسى شفيق افف
الخالدي وابني اخيه السيد عثمان نوري افف والسيد صنع الله افف ما ينوف عن اربعماية مؤلف فجزاهم الله خيرا وكذلك
ما لدي من الكتب ما ينوف عن المايتين مؤلف فبلغ حتى الان مجموع الكتب ما ينوف عن الالف وثلثماية مؤلف
منها ما يزيد على السبعماية كتاب خطية والباقي طبع ثم استخرت الله تعالى في تسميتها المكتبة الخالدية نسبة
لسيدنا سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه لما له من الايادي البيض في فتوحات بلاد الشام
وغيرها وتذكارا لاسمه رضي الله عنه فهذا العاجز يعلن لأولي العلم والفضل والحمية ومن له اثر
ان يمدها بأثره، وما تسمح به نفسه ليكون تذكارا له في هذه الديار المقدسة على انه مهما امتطينا قطارات
الآمال لنباري ما لدينا من المؤسسات الاجنبية في هذه الديار لخاب العمل ولكن قد قيل ما فات كله لا يترك بعضه
واملنا قوي بالفوز بحسن وعناية والتفات ظل الله في العالم حامي حومة الدين ولي النعم مجدد هذا العصر
سيدنا ومولانا خليفة رسول الله في ارضه السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبد الحميد خان نصره الله
تعالى وادامه واعلا في الكون اعلامه فهو الذي يقف متبوعيه الى الاقتداء به كما قيل الناس على دين ملوكهم
لذلك اقدم اسطري لآولي العلم والاحسان والله تعالى الملهم الى الصواب

                                                                 مؤسس المكتبة الخالدية

راغب بن نعمان الخالدي